SlideShare une entreprise Scribd logo
1  sur  8
‫الشروع في رحلة من‬
   ‫خالل اقتصاد المعرفة‬
               ‫العالمي‬
                             ‫إن االتجاهات الحالية، رغم أهمية رصدها، ال تحدد مسار‬
                             ‫عالمي موحد لكل الدول، ويتضح من الدراسات التقييمية‬
                             ‫المقارنة أن مجتمع المعلومات يقف اآلن عند نقطة تحول،‬
                             ‫حيث أن أهمية مجتمع المعرفة في تزايد مستمر، فأصبح‬
                             ‫انتشار المعرفة ”في كل مكان“ (كلية الوجود -‬
                             ‫‪ )ubiquitous‬يضاهي مستوى انتشار البيانات‬
                                                                ‫والمعلومات اليوم.‬

                             ‫فمن غير اآلمن إتباع سياسة قائمة في بلد آخر، حتى وإن‬
                             ‫كانت سياسة جيدة، بل عوضا عن ذلك، بناء استراتيجية‬
                             ‫موحدة ومتكاملة ومتقاربة، تأخذ في االعتبار نقاط القوة‬
                             ‫ومواطن الضعف الخاصة بالبلد، وتسعى إلى استغالل‬
                             ‫التأثيرات الناجمة عن تعاون واندماج العديد من القطاعات‬
                             ‫بالعمل المشترك في انسجام لتحقيق النمو والرفاه لجميع‬
              ‫محمد بوعنان‬                                                ‫المواطنين.‬

  ‫مدير استشارات استراتيجية‬   ‫وعلى الرغم من أنها ال تعتبر وجهة عالمية لجميع الدول،‬
                             ‫فتمثل كوريا الجنوبية أفضل وصف حاليا لذروة التفكير‬
     ‫1102/91/21‬
                             ‫الشامل والمتكامل، ويمكن أن تشكل الهدف األسمى الذي‬
‫(ترجمة 23 مارس 3 0 1 3 )‬                        ‫ينبغي محاكاته (وليس نسخه) وتجاوزه.‬
‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬


‫تسعى غالبية الدول إلى تحسين مكانتها في اقتصاد المعرفة العالمي المستقبلي. هل يسلكون حيال ذلك‬
‫(نفس) الطريق الصحيح؟ هل هم يحاولون جميعا الفوز بنفس السباق؟ إن كان كذلك، فبالتأكيد ستصاب‬
‫معظم البلدان بخيبة أمل ألن قلة قليلة من الدول ستحتل الجزء العلوي من الترتيب. وسأحاول اإلجابة على‬
‫هذه األسئلة في الفصول والفقرات التالية، وسأحاول تقديم الكيفية المنلسبة لكل دولة من أجل تحقيق النماء‬
                                                                        ‫المناسب لها قبل فوات األوان.‬
                                                                    ‫دعونا نبدأ بتوضيح المسائل المتعلقة بالموضوع!‬
‫وكثيرا ما يعتبر مجتمع المعلومات كمسألة تتعلق بتطوير تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت، وقياس‬
‫المؤشرات العامة لمثل هذه التنمية من خالل توافر التقنيات واعتمادها في المجتمعات. فأن تطور تقنية‬
‫المعلومات واالتصاالت يمثل دون شك عامال أساسيا لتمكين وتحفيز مجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة،‬
‫لكن الهدف الحقيقي هو تحقيق النتائج المرجوة كتعزيز تطوير المعرفة، وزيادة النمو االقتصادي، وتحسين‬
                                                   ‫الرفاه االجتماعي، من خالل استخدام التكنولوجيا.‬
‫بصفة عامة، يعتبر مجتمع المعلومات شكال جديدا من أشكال الحياة االجتماعية وهو خلف للمجتمع‬
‫الصناعي (مجتمع ما بعد الصناعي). معظم التعاريف والتصريحات (‪ ،WSIS‬واليونسكو...) المتعلقة‬
‫بمجتمع المعلومات تشير إلى تمكين األفراد والجماعات وإلى قدراتهم على تحقيق إمكاناتهم وزيادة رفاهيتهم‬
‫من أجل حياة أفضل. ويستخدم مصطلح "مجتمع المعلومات" بشكل رئيسي لإلشارة إلى مجتمع قائم على‬
                       ‫حرية إنتاج ونشر واستخدام المعلومات من أجل العمل على تحوله (مجتمع) وتنميته.‬
‫وأضاف إعالن القمة العالمية لمجتمع المعلومات1 (‪ )WSIS‬مبادئ العدالة االجتماعية والسياسية‬
‫واالقتصادية، فضال عن المشاركة الكاملة وبناء القدرات للشعوب. ويسلط إعالن القمة الضوء على أهداف‬
‫التنمية المستدامة والديمقراطية والمساواة بين الجنسين. وأكد أيضا على أن تنمية المجتمعات تهيئ إلنشاء‬
                   ‫إطارا لحقوق اإلنسان األساسية ، حيث تساعد على تحقيق توزيعا أكثر عدالة للموارد.‬

‫ومع ذلك، ال يوجد إجماع في األدبيات على تحديد دقيق لمصطلح "اقتصاد المعرفة"، عدا القول أن‬
‫االقتصاد القائم على المعرفة هو النظير االقتصادي لمجتمع المعلومات، حيث يتم استخدام المعلومات‬
‫كمورد اقتصادي؛ وأن االقتصاد العالمي يمر بمرحلة انتقالية إلى اقتصاد قائم على المعرفة باعتباره امتدادا‬
                                                                             ‫طبيعيا لمجتمع المعلومات.‬
‫ولقد ظهر مصطلح "مجتمع المعرفة" (الذي استخدم ألول مرة في عام 1919 من قِبل األكاديمي بيتر‬
‫دراكر ‪ )Peter Drucker‬في نهاية التسعينات من القرن الماضي، ويستخدم خاصة كبديل ل"مجتمع‬
‫المعلومات" من قِبل البعض في األوساط األكاديمية. وقد اعتمدت منظمة اليونسكو، مصطلح "مجتمعات‬
‫المعرفة"، في إطار سياساتها المؤسستية. وأكدت اليونسكو أن مفهوم مجتمعات المعرفة هو أكثر شموال‬
‫ومالئمة للتمكين من مفهوم التقنية واالتصاالت، الذي غالبا ما يهيمن على المناقشات حول مجتمع‬
‫المعلومات. فان القضايا المتعلقة بالتقنية واالتصاالت تؤكد على وجود البنىة التحتية والحوكمة على‬
‫المستوى العالمي، فال ينبغي النظر إلى تقنيات المعلومات واالتصاالت كغاية في حد ذاتها رغم أنها عوامل‬
‫حاسمة في التنمية. وبالتالي، ال يكون مجتمع المعلومات العالمي ذا معنى إال إذا كان يدعم تطوير مجتمعات‬
                     ‫المعرفة ويضع لنفسه هدف "التوجه نحو التنمية البشرية على أساس حقوق اإلنسان".‬


                                                                                                                            ‫1‬
‫تقترح القمة العالمية لمجتمع المعلومات (‪ )WSIS‬في إعالن المبادئ الصادر بجنيف 2003: مجتمع المعلومات هو "مجتمع يستطيع كل‬
‫فرد فيه استحداث المعلومات والمعارف، والنفاذ إليها، واستخدامها وتقاسمها، ويتمكن فيه األفراد والجمعات والشعوب من تسخير كامل‬
‫إمكاناتهم للنهوض بتنميتهم المستدامة ولتحسين نوعية حياتهم، وذلك انطالقا من مقاصد ومبادئ ميثاق األمم المتحدة والتمسك باالحترام‬
                                                                                      ‫الكامل للإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان".‬


‫صفحة |2‬                                                                                                         ‫م. بوعنان‬
‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬


‫وبعبارة أخرى، يشمل مفهوم مجتمع المعرفة األبعاد االجتماعية والثقافية واالقتصادية من أجل التنمية‬
‫للجميع، بينما نجد أن مجتمع المعلومات أكثر ارتباطا بالتقدم في مجال االتصاالت والتقنيات المعلوماتية.‬
‫فحسب نهج اليونسكو، فإن المجاالت األساسية هي المجتمع، واإلنسان، والتعليم، والعلوم واالبتكار، والثقافة‬
            ‫والمحتوى، واالتصاالت، والنمو االقتصادي، بدال من التركيز على المعلومات ونقلها وتخزينها.‬
‫وبالتالي، يعتبر اقتصاد المعرفة مرحلة معينة من مراحل التنمية االقتصادية، تعتمد على األصول غير‬
‫المادية، والقوى البشرية، واألنشطة المتعلقة بالتعليم، والعلوم والبحث، واالبتكار، حيث يتم قياس الثروة‬
‫الناتجة عن ذلك من خالل مدى إسهام هذه األنشطة في الناتج القومي اإلجمالي. وبطريقة مبسطة وذات‬
‫معنى يمكننا أن نلخص ما سبق بما يلي: اقتصاد المعرفة هو الجمع بين التكنولوجيا والموارد البشرية ذوي‬
                                        ‫المهارات العالية إلنتاج السلع والخدمات، وبالتالي تحقيق الرفاه.‬

                                                    ‫من مجتمع المعلومات إلى اقتصاد المعرفة‬
‫كما يجمع التقارب الرقمي عديد التقنيات المتباينة معا إلى درجة حيث يكون الكل أكبر من مجموع األجزاء،‬
‫فينبغي على مجتمع المعلومات التكيف نحو نموذج جديد إذا كان يرغب في خلق اقتصاد المعرفة. وهذا‬
‫النموذج في حد ذاته يؤدي إلى قيادة تكنولوجيات متباينة استنادا على العوامل االجتماعية واالقتصادية،‬
‫وعلى سبيل المثال الصحة اإللكترونية، الحكومة اإللكترونية، والتجارة اإللكترونية، والمدن الذكية،‬
                            ‫وغيرها، والسياسات التي تهدف إلى دفع عجلة التنمية نحو مزيد من التقارب.‬
‫يجب على المرحلة األخيرة للتحول إلى االقتصاد القائم على المعرفة أن تساعد على تقارب – بدقة الليزر –‬
‫توجهات السياسات ذات الصلة مع هدف مزدوج - التركيز على الناتج المحلي اإلجمالي لالقتصاد الوطني،‬
‫فضال عن الرفاه االجتماعي لجميع السكان. ولن يحدث هذا عن طريق الصدفة ولكن حسب تصميم منسجم‬
                                           ‫ألهداف منسقة، ووضع استراتيجية موحدة وتخطيط متقارب.‬
‫في اقتصاد المعرفة، تمثل المعرفة المورد الرئيسي (كأداة وسلعة اقتصادية في الوقت نفسه)، وبالتالي يجب‬
‫أن تتجدد وتتطور باستمرار. ويمكن تدريس ونقل المعرفة المقننة، على العكس من المعرفة الضمنية‬
‫(الدراية والخبرة) والتي تكمن قيمتها االقتصادية في االستثمار والمشاركة مع األطراف اآلخرى (الزمالء‬
‫والشركاء، إذا كان ذلك مفيدا لكال الطرفين). وبالتالي فإن االستثمار في المعرفة ومشاركتها يمثل حجر‬
‫األساس في اقتصاد المعرفة. كما هناك عنصر رئيسي وهو تأثير التكنولوجيات الحديثة على إنشاء المعرفة،‬
‫فتصبح المعلومة بمثابة البيانات الخام التي تستخدم لتكوين المعرفة من خالل عملية تحول وتحليل، تلعب‬
                              ‫فيها التكنولوجية دورا رئيسيا بجعل هذه العملية أكثر سهولة وقابلة للتكرار.‬
‫إن العوامل المحددة القتصاد المعرفة كثيرة ومعقدة. ومن الواضح أن االستثمار في المعرفة (وفقا لتعريف‬
‫منظمة التعاون والتنمية: البحث والتطوير، والتعليم العالي وتقنية المعلومات) أمر ضروري، ولكنه غير‬
                              ‫كافي. حيث يجب األخذ بعين االعتبار عدة عوامل رئيسية أخرى كالتالي:‬
‫‪ ‬تطوير رأس المال البشري من خالل التعليم والتدريب مدى الحياة، فالمهارات والموارد البشرية‬
‫المؤهلة هي األساس لمجتمع المعلومات والمعرفة. ينبغي أن تكون القوى العاملة ذات الكفائة‬
‫العالية مناسبة لمتطلبات سوق الشغل، وذات فعالية وابتكار في العمل. وينبغي أن يكون خريجي‬
               ‫المعاهد العليا والجامعات قادرين على المنافسة بنجاح في اقتصاد المعرفة العالمي.‬
‫‪ ‬على الرغم من أن القضاء على الفجوات بين الجنسين هي مسألة مساواة في المواطنة الكاملة‬
              ‫َ‬
‫وحفظ لحقوق اإلنسان، فإن المساواة بين الجنسين هي أيضا عامل من عوامل تطوير الفعالية لما‬
                                                                                   ‫ّ‬
‫تمثله المرأة من نصف المواهب والكفاءات والمهارات الممكنة والمؤهلة لدفع عجلة النمو. فهل‬




‫صفحة |3‬                                                                                      ‫م. بوعنان‬
‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬


‫يمكن تناسى نصف الموارد والطاقات البشرية لبناء مجتمع متقارب ومتماسك ومنسجم من أجل‬
                                                                ‫النمو والرفاه للجميع؟‬
‫‪ ‬يعتبر االستثمار في رأس المال المادي والبنية التحتية (وال سيما في االتصاالت السلكية‬
‫والالسلكية) ذات أهمية كبرى للنمو االقتصادي. إال أن نجاح االقتصاد القائم على المعرفة يستند‬
‫بشكل متزايد على االستخدام الفعال لألصول غير الملموسة مثل المعارف، فالمهارات واالبتكار‬
‫ونتائج البحث العلمي هي الموارد الرئيسية للميزة التنافسية. فيجب على منظمات البحث العلمي‬
  ‫الخاصة والعامة أن تكثف جهودها لتحسين قدراتها على استيعاب المعرفة وإنشاء الملكية الفكرية.‬
‫‪ ‬تلعب جاهزية تقنيات المعلومات واالتصاالت دورا حيويا في تطوير مجتمع المعرفة. هذا وتعتبر‬
                                                          ‫ّ‬
‫جاهزية الحكومة اإللكترونية وتوفر الخدمات والمرافق العامة الكترونيا عوامل مساعدة وممكنات‬
                                             ‫اساسية لتنمية اإلنتاجية ودعم االبداع واالبتكار.‬
‫‪ ‬تعتبر الحوكمة الجيدة (سيادة القانون، والشفافية، وحسن التسيير، الخ)، وجودة بيئة األعمال،‬
‫وفعالية اإلطارات التنظيمية، من أهم الفوائد والعوامل المشجعة للمستثمرين وأصحاب األعمال.‬
‫وتأثر جودة اإلطار القانوني واإلداري مباشرة على روح المبادرة واالستثمار. وكما تعتبر فعالية‬
                ‫الحكومة وأخالقيات العمل عوامل نجاح حاسمة للنمو االقتصادي وتكوين الثروات.‬
‫‪ ‬تساهم حرية التعبير (وسائل اإلعالم وغيرها) في دعم وتحسين الحوكمة والشفافية ومكافحة‬
                                                                           ‫الفساد.‬
‫‪ ‬تبحث الشركات وأصحاب األعمال عن بيئة عمل مالئمة تسهّل الوصول إلى قوى عاملة ذات‬
‫الكفاءة والمهارة العالية وتوفر فرص الحصول على التمويل العام والحوافز باإلضافة إلى دعم‬
‫آليات الشراكة مع المؤسسات العامة للبحث والتطوير. إن توفر شبكات األعمال والتجارة،‬
  ‫والمنافسة النزيهة، وفعالية سوق الشغل هي مصادر لتحسين الكفاءة واإلنتاجية والقدرة التنافسية.‬

                                                    ‫نحو انتشار اقتصاد المعرفة (كلية الوجود)‬
‫بالتوازي مع تطور العالم (على األقل البلدان المتقدمة والناشئة)، يدفع التقارب التكنولوجي الكبير إلى المزيد‬
‫من التقارب في تطوير االستراتيجيات، والمشاركة، والتخطيط وإنشاء مجتمع قائم على المعرفة‬
‫والتكنولوجيا - أكثر من ذلك، فقد أكد (تطور البلدان المتقدمة) على ضرورة إنشاء رؤية موحدة لمرافقة‬
‫أشكال متقدمة من الحوكمة، واالبتكار، والتعليم و التكوين المهني المستمر (مدى الحياة)، والرعاية‬
‫الصحية، والتجارة، والعيش في المناطق الحضرية والريفية. فيجب أن تتجاوز الرؤية النسخ البسيط لغايات‬
‫أو أهداف معلنة في بلد آخر – مثال من أجل أنظمة اتصال سلسة وبدون حدود، قابلة للتشغيل المتبادل،‬
‫والمواطن محورها، وما إلى ذلك. بل رؤية ترتكز على وصف – بدال من فرض أو نص أو حصر – هوية‬
                               ‫وطنية إلكترونية جديدة والتطلع إلى مستقبل أفضل (فريد من نوعه) ألممنا.‬
‫وسوف يكون النجاح من نصيب الدول التي تتبني استراتيجية شاملة ومتكاملة، تتمحور حول رؤية موحدة،‬
‫حيث تمثل السياسات الوطنية األدوات التي تحتاجها هذه الدول لصياغة المستقبل، وحيث يكون الناتج‬
   ‫النهائي أكبر من مجموع أجزائه – (طرح) اقتراح قيم (مقترح ذو قيمة) وحقيقي لمجتمع المعرفة بأكمله.‬
‫ويجب أن تركز الرؤية الوطنية الموحدة، من أجل تطوير االقتصاد القائم على المعرفة، على المشروع‬
‫المجتمعي الحضاري، الذي تعتزم الدولة إنشائه، وكذلك نوعية اإلنتاج االقتصادي والتنمية المستدامة.‬
‫وستقوم مثل هذه الرؤية بتعزيز مكانة البلد (مثال تونس) كظاهرة إقليمية (في العالمين العربي واإلسالمي‬
‫وفي القارة اإلفريقية)، فعلى سبيل المثال تحويل البلد إلى مرفأ جذاب جدا للتعلم، والعيش والعمل‬
                                                                                       ‫واالستثمار.‬



‫صفحة |4‬                                                                                        ‫م. بوعنان‬
‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬


‫تمثل نوعية الحياة، على األرجح، المؤشر الرئيسي الذي يجب متابعته، ولكن ما يهم في هذا القياس ليس ما‬
‫يحدده العالم كركائز داعمة لذلك المؤشر (من المؤكد أنها تستحق النظر واإلعتبار)، بل بناء على رؤية‬
‫حديثة لمجتمع المعرفة ومكانته في اقتصاد المعرفة العالمي. إنها لوحة زيتية مبينة للحياة في غضون 03 أو‬
                                           ‫02 سنة والتي يرسمها (كل) المواطنون وتمكنها التكنولوجيا.‬
‫فقد حان الوقت لالرتقاء إلى مستوى أعلى، وهو التحول الحقيقي االقتصادي واالجتماعي للبلد. بإنشاء رؤية‬
‫تلتقط عقول وقلوب الشعب، طموحاته وأحالمه، تراثه وثقافته، التي يشكلها ويمتلكها بنفسه، مع استراتيجية‬
‫تنفيذية مفصلة، شاملة ومتكاملة، بناء على احتياجات تلك الرؤية، والتي يتم وضعها بالتعاون مع أكبر عدد‬
‫ممكن من الكفاءات المحلية من مختلف القطاعات (القطاعين العام والخاص، والمنظمات المدنية، واألفراد)‬
‫عبر النقاشات والمناظرات وتبادل اآلراء والتحاليل لتحديد المجاالت الرئيسية المرجوة لتطوير اقتصاد‬
                                                                                  ‫المعرفة في البلد.‬
‫وال ينبغي أن تكون هذا الرؤية وجهة نظر ثابتة وجامدة، بل وجهة نظر حية مع إمكانية التغيير لتعكس‬
‫الوتيرة السريعة في التحول والتقارب التكنولوجي، وتوسيع نطاق الفرص والخيارات المتاحة ضمن أطر‬
‫زمنية قصيرة للغاية. وستشكل هذه الطريقة في إعداد االستراتيجية مهمة وطنية مشتركة، وسوف تكسب‬
‫انضمام والتزام مختلف الفعاليات والخبراء (الحكومية وأصحاب األعمال والشركات والمستثمرين والفالسفة‬
‫والباحثين...)، وسيسهل تحديد األولويات وتحفيز التنفيذ االمركزي (المواطن هو المحور)، وبالتالي‬
‫فسيكون التغيير أكثر سالسة، وسوف يواجه أقل مقاومة بفضل االنخراط المرتفع للمواطنين، وزيادة وعيهم‬
‫ورغبتهم في التغيير. وينبغي أن تأخذ مرحلة اإلعداد في االعتبار السياسات القائمة لتشكيل اإلطار الشامل‬
                               ‫والمتكامل الذي يمكن توسيعه بسهولة إلى استراتيجيات محددة لكل قطاع.‬
‫فببساطة، نسخ اآلخرين واالتباع األعمى للمؤشرات هو وصفة لإلخفاق. والتحدي الذي تواجهه عديد الدول‬
‫هو التحلى بالثقة والثبات لتحديد السباق على أساس احتياجاتها االجتماعية واالقتصادية الخاصة بها، وذلك‬
‫آخذة في االعتبار تحقيق التكامل اإلقليمي، وتحسين القدرة التنافسية. فيجب على كل بلد اختراع مستقبله بدال‬
                          ‫من أن يكون مجرد تقليد أو نسخة باهتة من نموذج "قياس واحد يناسب الجميع".‬
‫ومن هذا المنطلق، فإني أعتبر بأنه من غير اآلمن إتباع سياسة قائمة في بلد آخر، حتى وإن كانت سياسة‬
‫جيدة، ألنه ال يوجد مسار عالمي موحد لجميع البلدان، بل عوضا عن ذلك، بناء استراتيجية موحدة ومتكاملة‬
‫ومتقاربة، تأخذ في االعتبار نقاط القوة ومواطن الضعف الخاصة بالبلد، وتسعى إلى استغالل التأثيرات‬
‫الناجمة عن تعاون واندماج العديد من القطاعات بالعمل المشترك في انسجام لتحقيق النمو والرفاه لجميع‬
                                                                                      ‫المواطنين.‬
‫وعلى الرغم من أنها ال تعتبر وجهة عالمية لجميع الدول، فتمثل كوريا الجنوبية أفضل وصف حاليا لذروة‬
‫التفكير الشامل والمتكامل، ويمكن أن تشكل الهدف األسمى الذي ينبغي محاكاته (وليس نسخة) وتجاوزه.‬
‫وكمثال على ذلك، إنشاء وزارة عليا القتصاد المعرفة لإلشراف على وضع االستراتيجيات الموحدة‬
    ‫والتخطيط الشامل والمتقارب عبر كافة الميادين لبلوغ الهدف المشترك – االقتصاد القائم على المعرفة.‬

                                                   ‫كوريا الجنوبية تعرف شيئا، ونحن نجهله!‬
‫ومن بين الدول، ذات الحجم االقتصادي الملحوظ، والتي وقعت مقارنتها – تتميز جمهورية كوريا بإلتزام‬
‫قوي تجاه صياغة السياسات المتقاربة الذي َيعد بالتفوق. ومن البلدان األصغر حجما - فإن سنغافورة تتبع‬
                                                                                      ‫فلسفة مماثلة.‬
‫انه كذلك، وفي حالة كوريا، يرجع األمر جزئيا إلى تسويق كوريا العلني واالعتراف بالدورة الحميدة لنهجها‬
‫وقدرتها على بناء رؤية موحدة من نوع "شمولية-كوريا" (‪ ،)ubiquitous-Korea‬والتي تحتضن بنفس‬


‫صفحة |5‬                                                                                      ‫م. بوعنان‬
‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬


‫القدر كال القطاعين العام والخاص. وتؤدي سنغافورة دورها على نغمة مشابهة. ورغم ذلك، فيجب على كال‬
‫البلدين قطع بعض األشواط اإلضافية عندما يتعلق األمر بتحديد تفاصيل الهدف النهائي على درجات‬
                                                                                      ‫مختلفة.‬
‫وتحتل المملكة المتحدة مرتبة متراجعة بطريقة ما خلف جمهورية كوريا في هذا الميدان. ففي حين أنها‬
‫تدرك الحاجة الماسة إلى تقارب السياسات، فهي تفتقر إلى رؤية موحدة أو إلى دوافع وحوافز تجارية‬
‫(اقتصادية) للقيام بذلك، ولكنها قد أحرزت تقدما ملحوظا في مساعيها لتحديد ما قد يبدو الهدف النهائي. كما‬
                                                   ‫قامت أيضا أستراليا، بتجارب جريئة في هذا الميدان.‬
‫يعود التحول االستراتيجي لكوريا – ليصبح اقتصادها قائما على المعرفة ومرتبطا بالعولمة – إلى األزمة‬
‫المالية اآلسيوية في سنة 1119. إذ تم إنشاء فريق عمل معرفي (التعاون بين ممثلي وسائل اإلعالم العالمية‬
‫وشركات القطاع الخاص ‪ )KPT‬من قبل صحيفة مائيل لألعمال (‪ ،)Maeil Business Newspaper‬لتغطية‬
                                                                     ‫قضايا اقتصاد المعرفة، بانتظام.‬
‫ونتيجة ذلك، تم نشر تقرير رئيسي في عام 1119 "المعرفة من أجل العمل - تحويل كوريا إلى اقتصاد‬
‫المعرفة"، والذي ساهم في إنشاء توافق عريض يقر بأن "نموذج التنمية الكوري القديم، الذي يرتكز بشكل‬
‫كبير على النسخ والهندسة العكسية، قد عفا عليه الزمن، خاصة وأن المعرفة الضمنية أصبحت ذات أهمية‬
‫اقتصادية متزايدة". فبدأت الحكومة تهتم بالموضوع وتلتزم، فأنشئت فريق عمل خاص متكون من 09‬
                                                       ‫مراكز أبحاث برئاسة المعهد الكوري للتنمية.‬
‫أطلقت كوريا خطة عمل، في عام 0003، لمدة ثالث سنوات لتنفيذ استراتيجية االقتصاد القائم على المعرفة‬
‫في خمسة مجاالت رئيسية هي: البيئة االقتصادية والمؤسستية، والتعليم والمهارات، والبنية التحتية‬
‫للمعلومات، والعلوم والتكنولوجيا، والفجوة الرقمية. قادت هذه الخطة خمس مجموعات عمل، شاركت فيها‬
                                                                       ‫19 وزارة و19 معهد بحوث.‬
‫ويمكن تلخيص العبر العامة التي يمكن استخالصها من مسار كوريا نحو مجتمع المعلومات والمعرفة على‬
                                                                                 ‫النحو التالي:‬
‫‪ ‬المبادرة الخاصة: لعبت صحيفة مائيل لألعمال دورا مهما في جذب انتباه كل من الحكومة والقطاع‬
                                                         ‫الخاص إلى فوائد اقتصاد المعرفة.‬
‫‪ ‬الشراكة العامة-الخاصة: دعم قوي والتزام الحكومة باإلضافة إلى رغبة كبيرة من القطاع الخاص‬
‫للمساهمة في وضع استراتيجية المنفعة المتبادلة ودون حوافز مالية ولكن مع االستفادة من عائدات‬
                                                                           ‫األعمال التجارية.‬
‫‪ ‬دور القطاع الخاص: تم تصميم هذه االستراتيجية من قبل الحكومة والمعهد الكوري للتنمية،‬
‫وبمشاركة قطاع األعمال الذي كان المحرك لالقتصاد القائم على المعرفة. تمت مراقبة تنفيذ‬
‫االستراتيجية من قبل المجلس الوطني االستشاري االقتصادي (في ذلك الوقت) والذي ضم ممثلين‬
          ‫عن القطاع الخاص. لم يشارك المجتمع المدني واألفراد في تصميم أو تنفيذ االستراتيجية.‬
‫‪ ‬االلتزام المالي: كانت نسبة نمو ميزانية الدولة 1.7 بالمائة عام 0003، في حين بلغت حوالي 29‬
          ‫بالمائة تقريبا الزيادة في الميزانية المخصصة لمجتمع المعلومات والبحث والتطوير.‬
‫وبعد هذا التحول الملحوظ نحو مجتمع المعلومات والمعرفة، تبادلت كوريا تجربتها القوية مع االقتصاديات‬
‫النامية. كما يشارك الخبراء الكوريون في اقتصاد المعرفة في برامج البنك الدولي "المعرفة من أجل التنمية‬
                              ‫(‪ .")K4D‬وقد مولت كوريا في هذا الصدد بعض المشاريع في بلدان أخرى.‬

‫صفحة |6‬                                                                                     ‫م. بوعنان‬
‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬


‫تضم االستراتيجية الموحدة الكورية (‪ )u-strategy‬مجموعة من االستراتيجيات اإللكترونية ذات األهداف‬
‫المنسجمة. فمن خالل عملية التحسين المستمر، تتجه كوريا حتما نحو تحديد ذاتي لعوامل النجاح الحاسمة‬
‫للمجتمع الموحد (‪ )u-society‬المقبل ككل. وكانت العملية نتاج تخطيط طويل المدى (عادة 09 سنوات أو‬
‫أكثر)، وبعد النظر والتصورات الشاملة للمستقبل باإلضافة إلى ارتفاع مستويات التقارب في مجاالت‬
‫التخطيط، ووجهات النظر والتوقعات التكنولوجية، والحوكمة وتقديم المنتوجات والخدمات ( ‪delivery of‬‬
‫‪ .)products and services‬وأقرت كوريا بأن نجاح مثل هذه الرحلة يتطلب تعديل المسار التكتيكي‬
                                  ‫باستمرار مع الحفاظ على هدف استراتيجي ثابت وغاية متينة للرؤية.‬
‫تمثل االستراتيجية الموحدة والمتقاربة الكورية، لتطوير مجتمع المعلومات والمعرفة، االستراتيجية األكثر‬
‫ثباتا ألي اقتصاد ذو حجم كبير، كما تتضح جليا عوامل النجاح الحاسمة بدرجات متفاوتة عبر مجموعتها‬
                          ‫الكاملة من االستراتيجيات اإللكترونية (لمزيد من الدقة: االستراتيجية الموحدة) .‬
‫إلى حد كبير، تتحدث كوريا بصوت موحد، وترتكز رؤيتها الواسعة، القتصاد قائم على المعرفة، على‬
                                                             ‫َ‬
‫مجتمع متآلف ومتجانس، والجدارة أساسه. وينعكس إدراك الحكومة ألهمية تشجيع اقتصاد المعرفة في‬
‫اإلنشاء المبكر للجنة اإلعالمية تحت رئاسة الوزير األول، وترويجها المتزايد لرسائل مكررة - بل هو عمل‬
‫جماعي في مجال التحول الوطني وتبني اقتصاد المعرفة. ومما ال شك فيه، فإن القبول بهذه الرؤية ينبني‬
                                          ‫على النجاح السابق في تحويل كوريا إلى قوة صناعية عظمى.‬
‫برهنت كوريا، كنموذج من االقتصاديات االسيوية وعلى الرغم من التغييرات المتكررة في اإلدارة، على‬
‫قدرتها على الحفاظ على رؤية موحدة وطويلة المدى مع التركيز الدقيق أثناء تعديل منهجها الستيعاب‬
‫أحدث األفكار والتطورات، وذلك من خالل تواصل راسخ ومتين بين القطاعين العام و الخاص. وهذا هو‬
‫الحال في قبول كوريا الستراتيجيتها اإلنمائية في المحيط األزرق مما يدفعها بال هوادة لترسيخ وجودها في‬
‫األسواق البكر، وتقديم أحد المقومات األساسية لعملية التحول - مثل الشعور بالحاجة الملحة والرغبة في‬
                                                        ‫الفوز، وخصوصا من جانب القطاع الخاص.‬
‫باإلضافة إلى طموح الحكومة الكورية والقطاع الخاص للفوز في سوق المحيط األزرق الفريد من نوعه،‬
‫فهناك لدى الشعب الكوري حاجة فطرية لالعتراف واالحترام والرغبة لريادة المنطقة والعالم. فكل وزارة‬
‫مسؤولة في ميدانها على نجاح االستراتيجية الموحدة، على سبيل المثال، فقد أعربت وزارة التربية وتنمية‬
                                               ‫الموارد البشرية على ضرورة الريادة العالمية في مجالها.‬
‫ولتحقيق ذلك، شرعت كوريا في لعب دور رياديا - حيث يحل الخلق محل المضاهاة والتحسين (عن طريق‬
‫الهندسة العكسية)، كتحوال رئيسيا في سياسة الماضي. ولتعزيز هذا اإلبداع، اعتبرت الحكومة الكورية أن‬
‫التكنولوجيا ليست إال جزءا من المعادلة - فالمواهب المبدعة والتسامح المؤدي إلى استقطاب المواهب من‬
‫الخارج، سيكون أساسيا لتلبية احتياجات كوريا في مجال االبتكار وروح المبادرة والموائمة مع األسواق‬
                                                                                        ‫الدولية.‬
‫استنادا إلى مؤشر مركب لقياس مدى تطور اقتصاديات المعرفة (صمم خصيصا لهذا الغرض)، تتصدر‬
‫سنغافورة الترتيب العالمي لسنة 0903، تليها السويد والدنمارك والواليات المتحدة وفنلندا. وتحتل هذه‬
‫الدول وغيرها من البلدان األوروبية الشمالية والغربية (كندا واستراليا) أعلى الترتيب. ويبلغ عدد سكان 9‬
‫دول من العشر األوائل ونصف الدول الـ03 في أعلى الترتيب، أقل من 09 ماليين نسمة. ورغم أن كوريا‬
‫الجنوبية احتلت المرتبة 19 وفقا لمؤشر اقتصاد المعرفة، فمن الضروري أال ننسى أن كوريا قد نجحت في‬
            ‫اجتياز مسافات طويلة وأصبحت االقتصاد الحادي عشر في العالم في مدة ال تتجاوز 07 سنة.‬
‫حققت كوريا تقدما ملموسا نحو اقتصاد المعرفة منذ عام 1119، وتحتاج كعديد االقتصاديات إلى جهود‬
‫إضافية من أجل سد الثغرات ومواجهة التحديات الجديدة. بالفعل، تحتاج كوريا إلى مزيد من التحسينات في‬

‫صفحة |7‬                                                                                       ‫م. بوعنان‬
‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬


‫مجاالت مثل فعالية الحكومة وسوق العمل، والمساواة بين الجنسين، والسوق المالية وتطور بيئة األعمال،‬
                                                                             ‫وإلى حد ما االبتكار.‬
‫وأظهرت الدراسة المقارنة أن عديد األمم، من جميع أنواع الهويات الثقافية والتوجهات السياسية، قد شرعت‬
‫في رحلة إلى المستقبل وضمن العولمة – مستقبل يتعين تحديده بدرجة عالية من الدقة بالنسبة لكل بلد. فماذا‬
‫وكيف ستكون نهاية الرحلة (إذا كان حقا هناك نهاية) للعالم العربي واالسالمي، أو كم سيتطلب المسار من‬
                                                         ‫تعديالت للوصول إلى مكانة مريحة ضمن األمم؟‬




‫صفحة |8‬                                                                                     ‫م. بوعنان‬

Contenu connexe

Similaire à الشروع في رحلة من خلال اقتصاد المعرفة العالمي

الاعلام الحديث - ادوات وتطبيقات
الاعلام الحديث - ادوات وتطبيقاتالاعلام الحديث - ادوات وتطبيقات
الاعلام الحديث - ادوات وتطبيقاتMamoun Matar
 
الهيكل التنظيمي لإدارة الفندق د. هاني عاطف
   الهيكل التنظيمي لإدارة الفندق  د. هاني عاطف   الهيكل التنظيمي لإدارة الفندق  د. هاني عاطف
الهيكل التنظيمي لإدارة الفندق د. هاني عاطفHany Atef
 
التعليم وتحدي الثورة المعرفية 2
التعليم وتحدي الثورة المعرفية 2التعليم وتحدي الثورة المعرفية 2
التعليم وتحدي الثورة المعرفية 2mak299
 
توجهات لإصلاح المنظومة التربوية والتعليمية
توجهات لإصلاح المنظومة التربوية والتعليميةتوجهات لإصلاح المنظومة التربوية والتعليمية
توجهات لإصلاح المنظومة التربوية والتعليميةMohamed Bouanane
 
مجتمع المعرفة
مجتمع المعرفةمجتمع المعرفة
مجتمع المعرفةUsama Salam
 
الجلسة الثالثة المداخلة الرابعة تكامل المبادرات المعرفية العربية الواقع والمأمول
الجلسة الثالثة المداخلة الرابعة تكامل المبادرات المعرفية العربية الواقع والمأمولالجلسة الثالثة المداخلة الرابعة تكامل المبادرات المعرفية العربية الواقع والمأمول
الجلسة الثالثة المداخلة الرابعة تكامل المبادرات المعرفية العربية الواقع والمأمولالفهرس العربي الموحد
 
صوت الكرامة 13
 صوت الكرامة 13 صوت الكرامة 13
صوت الكرامة 13TOUNESELKARAMA
 
Toolkit education aux médias v ar
Toolkit education aux médias v arToolkit education aux médias v ar
Toolkit education aux médias v arKerim Bouzouita
 
Toolkit éducation aux médias et à l'information by Kerim Bouzouita UNESCO
Toolkit éducation aux médias et à l'information by Kerim Bouzouita UNESCOToolkit éducation aux médias et à l'information by Kerim Bouzouita UNESCO
Toolkit éducation aux médias et à l'information by Kerim Bouzouita UNESCOKerim Bouzouita
 
الأمية الحديثة
الأمية الحديثةالأمية الحديثة
الأمية الحديثةNoura Alkhamiss
 
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسة
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسةالتخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسة
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسةالصديق الصادقي العماري
 
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسة
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسةالتخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسة
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسةالصديق الصادقي العماري
 
الذكاء الإصطناعى وتداعايتة الإقتصادية
  الذكاء الإصطناعى وتداعايتة الإقتصادية     الذكاء الإصطناعى وتداعايتة الإقتصادية
الذكاء الإصطناعى وتداعايتة الإقتصادية Aboul Ella Hassanien
 
البيان التأسيسي لحزب البناء الوطني
البيان التأسيسي لحزب البناء الوطنيالبيان التأسيسي لحزب البناء الوطني
البيان التأسيسي لحزب البناء الوطنيحزب البناء الوطني
 
الدرس الاول جغرافيا 2ث
الدرس الاول جغرافيا 2ثالدرس الاول جغرافيا 2ث
الدرس الاول جغرافيا 2ثأمنية وجدى
 
الوحدة الأولى جغرافيا 2ث
الوحدة الأولى جغرافيا 2ثالوحدة الأولى جغرافيا 2ث
الوحدة الأولى جغرافيا 2ثأمنية وجدى
 
معالي د. أحمد العيسى (وزير التعليم): دور وزارة التعليم في بناء مجتمع المعرفة
معالي د. أحمد العيسى (وزير التعليم): دور وزارة التعليم في بناء مجتمع المعرفة معالي د. أحمد العيسى (وزير التعليم): دور وزارة التعليم في بناء مجتمع المعرفة
معالي د. أحمد العيسى (وزير التعليم): دور وزارة التعليم في بناء مجتمع المعرفة Asbar World Forum 2016
 
RDF-ARB_Session3_Presentation_Moderator_A.pptx
RDF-ARB_Session3_Presentation_Moderator_A.pptxRDF-ARB_Session3_Presentation_Moderator_A.pptx
RDF-ARB_Session3_Presentation_Moderator_A.pptxDoaaAlBagoury
 

Similaire à الشروع في رحلة من خلال اقتصاد المعرفة العالمي (20)

الاعلام الحديث - ادوات وتطبيقات
الاعلام الحديث - ادوات وتطبيقاتالاعلام الحديث - ادوات وتطبيقات
الاعلام الحديث - ادوات وتطبيقات
 
الهيكل التنظيمي لإدارة الفندق د. هاني عاطف
   الهيكل التنظيمي لإدارة الفندق  د. هاني عاطف   الهيكل التنظيمي لإدارة الفندق  د. هاني عاطف
الهيكل التنظيمي لإدارة الفندق د. هاني عاطف
 
التعليم وتحدي الثورة المعرفية 2
التعليم وتحدي الثورة المعرفية 2التعليم وتحدي الثورة المعرفية 2
التعليم وتحدي الثورة المعرفية 2
 
توجهات لإصلاح المنظومة التربوية والتعليمية
توجهات لإصلاح المنظومة التربوية والتعليميةتوجهات لإصلاح المنظومة التربوية والتعليمية
توجهات لإصلاح المنظومة التربوية والتعليمية
 
مجتمع المعرفة
مجتمع المعرفةمجتمع المعرفة
مجتمع المعرفة
 
الجلسة الثالثة المداخلة الرابعة تكامل المبادرات المعرفية العربية الواقع والمأمول
الجلسة الثالثة المداخلة الرابعة تكامل المبادرات المعرفية العربية الواقع والمأمولالجلسة الثالثة المداخلة الرابعة تكامل المبادرات المعرفية العربية الواقع والمأمول
الجلسة الثالثة المداخلة الرابعة تكامل المبادرات المعرفية العربية الواقع والمأمول
 
صوت الكرامة 13
 صوت الكرامة 13 صوت الكرامة 13
صوت الكرامة 13
 
Digital economy and national security
Digital economy and national securityDigital economy and national security
Digital economy and national security
 
Toolkit education aux médias v ar
Toolkit education aux médias v arToolkit education aux médias v ar
Toolkit education aux médias v ar
 
Toolkit éducation aux médias et à l'information by Kerim Bouzouita UNESCO
Toolkit éducation aux médias et à l'information by Kerim Bouzouita UNESCOToolkit éducation aux médias et à l'information by Kerim Bouzouita UNESCO
Toolkit éducation aux médias et à l'information by Kerim Bouzouita UNESCO
 
الأمية الحديثة
الأمية الحديثةالأمية الحديثة
الأمية الحديثة
 
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسة
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسةالتخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسة
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسة
 
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسة
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسةالتخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسة
التخطيط لإستراتيجي للتنمية وعلاقة ذلك بالمدرسة
 
الذكاء الإصطناعى وتداعايتة الإقتصادية
  الذكاء الإصطناعى وتداعايتة الإقتصادية     الذكاء الإصطناعى وتداعايتة الإقتصادية
الذكاء الإصطناعى وتداعايتة الإقتصادية
 
البيان التأسيسي لحزب البناء الوطني
البيان التأسيسي لحزب البناء الوطنيالبيان التأسيسي لحزب البناء الوطني
البيان التأسيسي لحزب البناء الوطني
 
الدرس الاول جغرافيا 2ث
الدرس الاول جغرافيا 2ثالدرس الاول جغرافيا 2ث
الدرس الاول جغرافيا 2ث
 
الوحدة الأولى جغرافيا 2ث
الوحدة الأولى جغرافيا 2ثالوحدة الأولى جغرافيا 2ث
الوحدة الأولى جغرافيا 2ث
 
معالي د. أحمد العيسى (وزير التعليم): دور وزارة التعليم في بناء مجتمع المعرفة
معالي د. أحمد العيسى (وزير التعليم): دور وزارة التعليم في بناء مجتمع المعرفة معالي د. أحمد العيسى (وزير التعليم): دور وزارة التعليم في بناء مجتمع المعرفة
معالي د. أحمد العيسى (وزير التعليم): دور وزارة التعليم في بناء مجتمع المعرفة
 
RDF-ARB_Session3_Presentation_Moderator_A.pptx
RDF-ARB_Session3_Presentation_Moderator_A.pptxRDF-ARB_Session3_Presentation_Moderator_A.pptx
RDF-ARB_Session3_Presentation_Moderator_A.pptx
 
فيليب كومبز
فيليب كومبزفيليب كومبز
فيليب كومبز
 

Plus de Mohamed Bouanane

Overall Covid Performance Index - Case study for European countries v210206
Overall Covid Performance Index - Case study for European countries v210206Overall Covid Performance Index - Case study for European countries v210206
Overall Covid Performance Index - Case study for European countries v210206Mohamed Bouanane
 
Covid-19 Data driven regional comparison in France - v210128
Covid-19 Data driven regional comparison in France - v210128Covid-19 Data driven regional comparison in France - v210128
Covid-19 Data driven regional comparison in France - v210128Mohamed Bouanane
 
Data driven comparison of the covid-19 progression in france - v201231
Data driven comparison of the covid-19 progression in france - v201231Data driven comparison of the covid-19 progression in france - v201231
Data driven comparison of the covid-19 progression in france - v201231Mohamed Bouanane
 
Bmc_Digital_Economy_Information_Society_Index
Bmc_Digital_Economy_Information_Society_Index Bmc_Digital_Economy_Information_Society_Index
Bmc_Digital_Economy_Information_Society_Index Mohamed Bouanane
 
Data driven forecast of the covid-19 death toll v3
Data driven forecast of the covid-19 death toll v3Data driven forecast of the covid-19 death toll v3
Data driven forecast of the covid-19 death toll v3Mohamed Bouanane
 
Data driven forecast of the covid-19 death toll
Data driven forecast of the covid-19 death tollData driven forecast of the covid-19 death toll
Data driven forecast of the covid-19 death tollMohamed Bouanane
 
Data driven forecast of the covid-19 death toll
Data driven forecast of the covid-19 death tollData driven forecast of the covid-19 death toll
Data driven forecast of the covid-19 death tollMohamed Bouanane
 
Strategy for a sustainable digital economy - Arabic
Strategy for a sustainable digital economy - ArabicStrategy for a sustainable digital economy - Arabic
Strategy for a sustainable digital economy - ArabicMohamed Bouanane
 
Apac Countries in the Global Knowledge Economy
Apac Countries in the Global Knowledge EconomyApac Countries in the Global Knowledge Economy
Apac Countries in the Global Knowledge EconomyMohamed Bouanane
 
Next Generation National Broadband Network development - A ppp for an open ac...
Next Generation National Broadband Network development - A ppp for an open ac...Next Generation National Broadband Network development - A ppp for an open ac...
Next Generation National Broadband Network development - A ppp for an open ac...Mohamed Bouanane
 
Le monde arabe dans l’économie mondiale du savoir
Le monde arabe dans l’économie mondiale du savoirLe monde arabe dans l’économie mondiale du savoir
Le monde arabe dans l’économie mondiale du savoirMohamed Bouanane
 
IKE - Index of Knowledge Economy and Maturity Model
IKE - Index of Knowledge Economy and Maturity ModelIKE - Index of Knowledge Economy and Maturity Model
IKE - Index of Knowledge Economy and Maturity ModelMohamed Bouanane
 
Directions for education sector reform
Directions for education sector reformDirections for education sector reform
Directions for education sector reformMohamed Bouanane
 
Embarking on a journey into the global knowledge economy
Embarking on a journey into the global knowledge economy Embarking on a journey into the global knowledge economy
Embarking on a journey into the global knowledge economy Mohamed Bouanane
 

Plus de Mohamed Bouanane (14)

Overall Covid Performance Index - Case study for European countries v210206
Overall Covid Performance Index - Case study for European countries v210206Overall Covid Performance Index - Case study for European countries v210206
Overall Covid Performance Index - Case study for European countries v210206
 
Covid-19 Data driven regional comparison in France - v210128
Covid-19 Data driven regional comparison in France - v210128Covid-19 Data driven regional comparison in France - v210128
Covid-19 Data driven regional comparison in France - v210128
 
Data driven comparison of the covid-19 progression in france - v201231
Data driven comparison of the covid-19 progression in france - v201231Data driven comparison of the covid-19 progression in france - v201231
Data driven comparison of the covid-19 progression in france - v201231
 
Bmc_Digital_Economy_Information_Society_Index
Bmc_Digital_Economy_Information_Society_Index Bmc_Digital_Economy_Information_Society_Index
Bmc_Digital_Economy_Information_Society_Index
 
Data driven forecast of the covid-19 death toll v3
Data driven forecast of the covid-19 death toll v3Data driven forecast of the covid-19 death toll v3
Data driven forecast of the covid-19 death toll v3
 
Data driven forecast of the covid-19 death toll
Data driven forecast of the covid-19 death tollData driven forecast of the covid-19 death toll
Data driven forecast of the covid-19 death toll
 
Data driven forecast of the covid-19 death toll
Data driven forecast of the covid-19 death tollData driven forecast of the covid-19 death toll
Data driven forecast of the covid-19 death toll
 
Strategy for a sustainable digital economy - Arabic
Strategy for a sustainable digital economy - ArabicStrategy for a sustainable digital economy - Arabic
Strategy for a sustainable digital economy - Arabic
 
Apac Countries in the Global Knowledge Economy
Apac Countries in the Global Knowledge EconomyApac Countries in the Global Knowledge Economy
Apac Countries in the Global Knowledge Economy
 
Next Generation National Broadband Network development - A ppp for an open ac...
Next Generation National Broadband Network development - A ppp for an open ac...Next Generation National Broadband Network development - A ppp for an open ac...
Next Generation National Broadband Network development - A ppp for an open ac...
 
Le monde arabe dans l’économie mondiale du savoir
Le monde arabe dans l’économie mondiale du savoirLe monde arabe dans l’économie mondiale du savoir
Le monde arabe dans l’économie mondiale du savoir
 
IKE - Index of Knowledge Economy and Maturity Model
IKE - Index of Knowledge Economy and Maturity ModelIKE - Index of Knowledge Economy and Maturity Model
IKE - Index of Knowledge Economy and Maturity Model
 
Directions for education sector reform
Directions for education sector reformDirections for education sector reform
Directions for education sector reform
 
Embarking on a journey into the global knowledge economy
Embarking on a journey into the global knowledge economy Embarking on a journey into the global knowledge economy
Embarking on a journey into the global knowledge economy
 

الشروع في رحلة من خلال اقتصاد المعرفة العالمي

  • 1. ‫الشروع في رحلة من‬ ‫خالل اقتصاد المعرفة‬ ‫العالمي‬ ‫إن االتجاهات الحالية، رغم أهمية رصدها، ال تحدد مسار‬ ‫عالمي موحد لكل الدول، ويتضح من الدراسات التقييمية‬ ‫المقارنة أن مجتمع المعلومات يقف اآلن عند نقطة تحول،‬ ‫حيث أن أهمية مجتمع المعرفة في تزايد مستمر، فأصبح‬ ‫انتشار المعرفة ”في كل مكان“ (كلية الوجود -‬ ‫‪ )ubiquitous‬يضاهي مستوى انتشار البيانات‬ ‫والمعلومات اليوم.‬ ‫فمن غير اآلمن إتباع سياسة قائمة في بلد آخر، حتى وإن‬ ‫كانت سياسة جيدة، بل عوضا عن ذلك، بناء استراتيجية‬ ‫موحدة ومتكاملة ومتقاربة، تأخذ في االعتبار نقاط القوة‬ ‫ومواطن الضعف الخاصة بالبلد، وتسعى إلى استغالل‬ ‫التأثيرات الناجمة عن تعاون واندماج العديد من القطاعات‬ ‫بالعمل المشترك في انسجام لتحقيق النمو والرفاه لجميع‬ ‫محمد بوعنان‬ ‫المواطنين.‬ ‫مدير استشارات استراتيجية‬ ‫وعلى الرغم من أنها ال تعتبر وجهة عالمية لجميع الدول،‬ ‫فتمثل كوريا الجنوبية أفضل وصف حاليا لذروة التفكير‬ ‫1102/91/21‬ ‫الشامل والمتكامل، ويمكن أن تشكل الهدف األسمى الذي‬ ‫(ترجمة 23 مارس 3 0 1 3 )‬ ‫ينبغي محاكاته (وليس نسخه) وتجاوزه.‬
  • 2. ‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬ ‫تسعى غالبية الدول إلى تحسين مكانتها في اقتصاد المعرفة العالمي المستقبلي. هل يسلكون حيال ذلك‬ ‫(نفس) الطريق الصحيح؟ هل هم يحاولون جميعا الفوز بنفس السباق؟ إن كان كذلك، فبالتأكيد ستصاب‬ ‫معظم البلدان بخيبة أمل ألن قلة قليلة من الدول ستحتل الجزء العلوي من الترتيب. وسأحاول اإلجابة على‬ ‫هذه األسئلة في الفصول والفقرات التالية، وسأحاول تقديم الكيفية المنلسبة لكل دولة من أجل تحقيق النماء‬ ‫المناسب لها قبل فوات األوان.‬ ‫دعونا نبدأ بتوضيح المسائل المتعلقة بالموضوع!‬ ‫وكثيرا ما يعتبر مجتمع المعلومات كمسألة تتعلق بتطوير تكنولوجيا المعلومات واالتصاالت، وقياس‬ ‫المؤشرات العامة لمثل هذه التنمية من خالل توافر التقنيات واعتمادها في المجتمعات. فأن تطور تقنية‬ ‫المعلومات واالتصاالت يمثل دون شك عامال أساسيا لتمكين وتحفيز مجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة،‬ ‫لكن الهدف الحقيقي هو تحقيق النتائج المرجوة كتعزيز تطوير المعرفة، وزيادة النمو االقتصادي، وتحسين‬ ‫الرفاه االجتماعي، من خالل استخدام التكنولوجيا.‬ ‫بصفة عامة، يعتبر مجتمع المعلومات شكال جديدا من أشكال الحياة االجتماعية وهو خلف للمجتمع‬ ‫الصناعي (مجتمع ما بعد الصناعي). معظم التعاريف والتصريحات (‪ ،WSIS‬واليونسكو...) المتعلقة‬ ‫بمجتمع المعلومات تشير إلى تمكين األفراد والجماعات وإلى قدراتهم على تحقيق إمكاناتهم وزيادة رفاهيتهم‬ ‫من أجل حياة أفضل. ويستخدم مصطلح "مجتمع المعلومات" بشكل رئيسي لإلشارة إلى مجتمع قائم على‬ ‫حرية إنتاج ونشر واستخدام المعلومات من أجل العمل على تحوله (مجتمع) وتنميته.‬ ‫وأضاف إعالن القمة العالمية لمجتمع المعلومات1 (‪ )WSIS‬مبادئ العدالة االجتماعية والسياسية‬ ‫واالقتصادية، فضال عن المشاركة الكاملة وبناء القدرات للشعوب. ويسلط إعالن القمة الضوء على أهداف‬ ‫التنمية المستدامة والديمقراطية والمساواة بين الجنسين. وأكد أيضا على أن تنمية المجتمعات تهيئ إلنشاء‬ ‫إطارا لحقوق اإلنسان األساسية ، حيث تساعد على تحقيق توزيعا أكثر عدالة للموارد.‬ ‫ومع ذلك، ال يوجد إجماع في األدبيات على تحديد دقيق لمصطلح "اقتصاد المعرفة"، عدا القول أن‬ ‫االقتصاد القائم على المعرفة هو النظير االقتصادي لمجتمع المعلومات، حيث يتم استخدام المعلومات‬ ‫كمورد اقتصادي؛ وأن االقتصاد العالمي يمر بمرحلة انتقالية إلى اقتصاد قائم على المعرفة باعتباره امتدادا‬ ‫طبيعيا لمجتمع المعلومات.‬ ‫ولقد ظهر مصطلح "مجتمع المعرفة" (الذي استخدم ألول مرة في عام 1919 من قِبل األكاديمي بيتر‬ ‫دراكر ‪ )Peter Drucker‬في نهاية التسعينات من القرن الماضي، ويستخدم خاصة كبديل ل"مجتمع‬ ‫المعلومات" من قِبل البعض في األوساط األكاديمية. وقد اعتمدت منظمة اليونسكو، مصطلح "مجتمعات‬ ‫المعرفة"، في إطار سياساتها المؤسستية. وأكدت اليونسكو أن مفهوم مجتمعات المعرفة هو أكثر شموال‬ ‫ومالئمة للتمكين من مفهوم التقنية واالتصاالت، الذي غالبا ما يهيمن على المناقشات حول مجتمع‬ ‫المعلومات. فان القضايا المتعلقة بالتقنية واالتصاالت تؤكد على وجود البنىة التحتية والحوكمة على‬ ‫المستوى العالمي، فال ينبغي النظر إلى تقنيات المعلومات واالتصاالت كغاية في حد ذاتها رغم أنها عوامل‬ ‫حاسمة في التنمية. وبالتالي، ال يكون مجتمع المعلومات العالمي ذا معنى إال إذا كان يدعم تطوير مجتمعات‬ ‫المعرفة ويضع لنفسه هدف "التوجه نحو التنمية البشرية على أساس حقوق اإلنسان".‬ ‫1‬ ‫تقترح القمة العالمية لمجتمع المعلومات (‪ )WSIS‬في إعالن المبادئ الصادر بجنيف 2003: مجتمع المعلومات هو "مجتمع يستطيع كل‬ ‫فرد فيه استحداث المعلومات والمعارف، والنفاذ إليها، واستخدامها وتقاسمها، ويتمكن فيه األفراد والجمعات والشعوب من تسخير كامل‬ ‫إمكاناتهم للنهوض بتنميتهم المستدامة ولتحسين نوعية حياتهم، وذلك انطالقا من مقاصد ومبادئ ميثاق األمم المتحدة والتمسك باالحترام‬ ‫الكامل للإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان".‬ ‫صفحة |2‬ ‫م. بوعنان‬
  • 3. ‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬ ‫وبعبارة أخرى، يشمل مفهوم مجتمع المعرفة األبعاد االجتماعية والثقافية واالقتصادية من أجل التنمية‬ ‫للجميع، بينما نجد أن مجتمع المعلومات أكثر ارتباطا بالتقدم في مجال االتصاالت والتقنيات المعلوماتية.‬ ‫فحسب نهج اليونسكو، فإن المجاالت األساسية هي المجتمع، واإلنسان، والتعليم، والعلوم واالبتكار، والثقافة‬ ‫والمحتوى، واالتصاالت، والنمو االقتصادي، بدال من التركيز على المعلومات ونقلها وتخزينها.‬ ‫وبالتالي، يعتبر اقتصاد المعرفة مرحلة معينة من مراحل التنمية االقتصادية، تعتمد على األصول غير‬ ‫المادية، والقوى البشرية، واألنشطة المتعلقة بالتعليم، والعلوم والبحث، واالبتكار، حيث يتم قياس الثروة‬ ‫الناتجة عن ذلك من خالل مدى إسهام هذه األنشطة في الناتج القومي اإلجمالي. وبطريقة مبسطة وذات‬ ‫معنى يمكننا أن نلخص ما سبق بما يلي: اقتصاد المعرفة هو الجمع بين التكنولوجيا والموارد البشرية ذوي‬ ‫المهارات العالية إلنتاج السلع والخدمات، وبالتالي تحقيق الرفاه.‬ ‫من مجتمع المعلومات إلى اقتصاد المعرفة‬ ‫كما يجمع التقارب الرقمي عديد التقنيات المتباينة معا إلى درجة حيث يكون الكل أكبر من مجموع األجزاء،‬ ‫فينبغي على مجتمع المعلومات التكيف نحو نموذج جديد إذا كان يرغب في خلق اقتصاد المعرفة. وهذا‬ ‫النموذج في حد ذاته يؤدي إلى قيادة تكنولوجيات متباينة استنادا على العوامل االجتماعية واالقتصادية،‬ ‫وعلى سبيل المثال الصحة اإللكترونية، الحكومة اإللكترونية، والتجارة اإللكترونية، والمدن الذكية،‬ ‫وغيرها، والسياسات التي تهدف إلى دفع عجلة التنمية نحو مزيد من التقارب.‬ ‫يجب على المرحلة األخيرة للتحول إلى االقتصاد القائم على المعرفة أن تساعد على تقارب – بدقة الليزر –‬ ‫توجهات السياسات ذات الصلة مع هدف مزدوج - التركيز على الناتج المحلي اإلجمالي لالقتصاد الوطني،‬ ‫فضال عن الرفاه االجتماعي لجميع السكان. ولن يحدث هذا عن طريق الصدفة ولكن حسب تصميم منسجم‬ ‫ألهداف منسقة، ووضع استراتيجية موحدة وتخطيط متقارب.‬ ‫في اقتصاد المعرفة، تمثل المعرفة المورد الرئيسي (كأداة وسلعة اقتصادية في الوقت نفسه)، وبالتالي يجب‬ ‫أن تتجدد وتتطور باستمرار. ويمكن تدريس ونقل المعرفة المقننة، على العكس من المعرفة الضمنية‬ ‫(الدراية والخبرة) والتي تكمن قيمتها االقتصادية في االستثمار والمشاركة مع األطراف اآلخرى (الزمالء‬ ‫والشركاء، إذا كان ذلك مفيدا لكال الطرفين). وبالتالي فإن االستثمار في المعرفة ومشاركتها يمثل حجر‬ ‫األساس في اقتصاد المعرفة. كما هناك عنصر رئيسي وهو تأثير التكنولوجيات الحديثة على إنشاء المعرفة،‬ ‫فتصبح المعلومة بمثابة البيانات الخام التي تستخدم لتكوين المعرفة من خالل عملية تحول وتحليل، تلعب‬ ‫فيها التكنولوجية دورا رئيسيا بجعل هذه العملية أكثر سهولة وقابلة للتكرار.‬ ‫إن العوامل المحددة القتصاد المعرفة كثيرة ومعقدة. ومن الواضح أن االستثمار في المعرفة (وفقا لتعريف‬ ‫منظمة التعاون والتنمية: البحث والتطوير، والتعليم العالي وتقنية المعلومات) أمر ضروري، ولكنه غير‬ ‫كافي. حيث يجب األخذ بعين االعتبار عدة عوامل رئيسية أخرى كالتالي:‬ ‫‪ ‬تطوير رأس المال البشري من خالل التعليم والتدريب مدى الحياة، فالمهارات والموارد البشرية‬ ‫المؤهلة هي األساس لمجتمع المعلومات والمعرفة. ينبغي أن تكون القوى العاملة ذات الكفائة‬ ‫العالية مناسبة لمتطلبات سوق الشغل، وذات فعالية وابتكار في العمل. وينبغي أن يكون خريجي‬ ‫المعاهد العليا والجامعات قادرين على المنافسة بنجاح في اقتصاد المعرفة العالمي.‬ ‫‪ ‬على الرغم من أن القضاء على الفجوات بين الجنسين هي مسألة مساواة في المواطنة الكاملة‬ ‫َ‬ ‫وحفظ لحقوق اإلنسان، فإن المساواة بين الجنسين هي أيضا عامل من عوامل تطوير الفعالية لما‬ ‫ّ‬ ‫تمثله المرأة من نصف المواهب والكفاءات والمهارات الممكنة والمؤهلة لدفع عجلة النمو. فهل‬ ‫صفحة |3‬ ‫م. بوعنان‬
  • 4. ‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬ ‫يمكن تناسى نصف الموارد والطاقات البشرية لبناء مجتمع متقارب ومتماسك ومنسجم من أجل‬ ‫النمو والرفاه للجميع؟‬ ‫‪ ‬يعتبر االستثمار في رأس المال المادي والبنية التحتية (وال سيما في االتصاالت السلكية‬ ‫والالسلكية) ذات أهمية كبرى للنمو االقتصادي. إال أن نجاح االقتصاد القائم على المعرفة يستند‬ ‫بشكل متزايد على االستخدام الفعال لألصول غير الملموسة مثل المعارف، فالمهارات واالبتكار‬ ‫ونتائج البحث العلمي هي الموارد الرئيسية للميزة التنافسية. فيجب على منظمات البحث العلمي‬ ‫الخاصة والعامة أن تكثف جهودها لتحسين قدراتها على استيعاب المعرفة وإنشاء الملكية الفكرية.‬ ‫‪ ‬تلعب جاهزية تقنيات المعلومات واالتصاالت دورا حيويا في تطوير مجتمع المعرفة. هذا وتعتبر‬ ‫ّ‬ ‫جاهزية الحكومة اإللكترونية وتوفر الخدمات والمرافق العامة الكترونيا عوامل مساعدة وممكنات‬ ‫اساسية لتنمية اإلنتاجية ودعم االبداع واالبتكار.‬ ‫‪ ‬تعتبر الحوكمة الجيدة (سيادة القانون، والشفافية، وحسن التسيير، الخ)، وجودة بيئة األعمال،‬ ‫وفعالية اإلطارات التنظيمية، من أهم الفوائد والعوامل المشجعة للمستثمرين وأصحاب األعمال.‬ ‫وتأثر جودة اإلطار القانوني واإلداري مباشرة على روح المبادرة واالستثمار. وكما تعتبر فعالية‬ ‫الحكومة وأخالقيات العمل عوامل نجاح حاسمة للنمو االقتصادي وتكوين الثروات.‬ ‫‪ ‬تساهم حرية التعبير (وسائل اإلعالم وغيرها) في دعم وتحسين الحوكمة والشفافية ومكافحة‬ ‫الفساد.‬ ‫‪ ‬تبحث الشركات وأصحاب األعمال عن بيئة عمل مالئمة تسهّل الوصول إلى قوى عاملة ذات‬ ‫الكفاءة والمهارة العالية وتوفر فرص الحصول على التمويل العام والحوافز باإلضافة إلى دعم‬ ‫آليات الشراكة مع المؤسسات العامة للبحث والتطوير. إن توفر شبكات األعمال والتجارة،‬ ‫والمنافسة النزيهة، وفعالية سوق الشغل هي مصادر لتحسين الكفاءة واإلنتاجية والقدرة التنافسية.‬ ‫نحو انتشار اقتصاد المعرفة (كلية الوجود)‬ ‫بالتوازي مع تطور العالم (على األقل البلدان المتقدمة والناشئة)، يدفع التقارب التكنولوجي الكبير إلى المزيد‬ ‫من التقارب في تطوير االستراتيجيات، والمشاركة، والتخطيط وإنشاء مجتمع قائم على المعرفة‬ ‫والتكنولوجيا - أكثر من ذلك، فقد أكد (تطور البلدان المتقدمة) على ضرورة إنشاء رؤية موحدة لمرافقة‬ ‫أشكال متقدمة من الحوكمة، واالبتكار، والتعليم و التكوين المهني المستمر (مدى الحياة)، والرعاية‬ ‫الصحية، والتجارة، والعيش في المناطق الحضرية والريفية. فيجب أن تتجاوز الرؤية النسخ البسيط لغايات‬ ‫أو أهداف معلنة في بلد آخر – مثال من أجل أنظمة اتصال سلسة وبدون حدود، قابلة للتشغيل المتبادل،‬ ‫والمواطن محورها، وما إلى ذلك. بل رؤية ترتكز على وصف – بدال من فرض أو نص أو حصر – هوية‬ ‫وطنية إلكترونية جديدة والتطلع إلى مستقبل أفضل (فريد من نوعه) ألممنا.‬ ‫وسوف يكون النجاح من نصيب الدول التي تتبني استراتيجية شاملة ومتكاملة، تتمحور حول رؤية موحدة،‬ ‫حيث تمثل السياسات الوطنية األدوات التي تحتاجها هذه الدول لصياغة المستقبل، وحيث يكون الناتج‬ ‫النهائي أكبر من مجموع أجزائه – (طرح) اقتراح قيم (مقترح ذو قيمة) وحقيقي لمجتمع المعرفة بأكمله.‬ ‫ويجب أن تركز الرؤية الوطنية الموحدة، من أجل تطوير االقتصاد القائم على المعرفة، على المشروع‬ ‫المجتمعي الحضاري، الذي تعتزم الدولة إنشائه، وكذلك نوعية اإلنتاج االقتصادي والتنمية المستدامة.‬ ‫وستقوم مثل هذه الرؤية بتعزيز مكانة البلد (مثال تونس) كظاهرة إقليمية (في العالمين العربي واإلسالمي‬ ‫وفي القارة اإلفريقية)، فعلى سبيل المثال تحويل البلد إلى مرفأ جذاب جدا للتعلم، والعيش والعمل‬ ‫واالستثمار.‬ ‫صفحة |4‬ ‫م. بوعنان‬
  • 5. ‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬ ‫تمثل نوعية الحياة، على األرجح، المؤشر الرئيسي الذي يجب متابعته، ولكن ما يهم في هذا القياس ليس ما‬ ‫يحدده العالم كركائز داعمة لذلك المؤشر (من المؤكد أنها تستحق النظر واإلعتبار)، بل بناء على رؤية‬ ‫حديثة لمجتمع المعرفة ومكانته في اقتصاد المعرفة العالمي. إنها لوحة زيتية مبينة للحياة في غضون 03 أو‬ ‫02 سنة والتي يرسمها (كل) المواطنون وتمكنها التكنولوجيا.‬ ‫فقد حان الوقت لالرتقاء إلى مستوى أعلى، وهو التحول الحقيقي االقتصادي واالجتماعي للبلد. بإنشاء رؤية‬ ‫تلتقط عقول وقلوب الشعب، طموحاته وأحالمه، تراثه وثقافته، التي يشكلها ويمتلكها بنفسه، مع استراتيجية‬ ‫تنفيذية مفصلة، شاملة ومتكاملة، بناء على احتياجات تلك الرؤية، والتي يتم وضعها بالتعاون مع أكبر عدد‬ ‫ممكن من الكفاءات المحلية من مختلف القطاعات (القطاعين العام والخاص، والمنظمات المدنية، واألفراد)‬ ‫عبر النقاشات والمناظرات وتبادل اآلراء والتحاليل لتحديد المجاالت الرئيسية المرجوة لتطوير اقتصاد‬ ‫المعرفة في البلد.‬ ‫وال ينبغي أن تكون هذا الرؤية وجهة نظر ثابتة وجامدة، بل وجهة نظر حية مع إمكانية التغيير لتعكس‬ ‫الوتيرة السريعة في التحول والتقارب التكنولوجي، وتوسيع نطاق الفرص والخيارات المتاحة ضمن أطر‬ ‫زمنية قصيرة للغاية. وستشكل هذه الطريقة في إعداد االستراتيجية مهمة وطنية مشتركة، وسوف تكسب‬ ‫انضمام والتزام مختلف الفعاليات والخبراء (الحكومية وأصحاب األعمال والشركات والمستثمرين والفالسفة‬ ‫والباحثين...)، وسيسهل تحديد األولويات وتحفيز التنفيذ االمركزي (المواطن هو المحور)، وبالتالي‬ ‫فسيكون التغيير أكثر سالسة، وسوف يواجه أقل مقاومة بفضل االنخراط المرتفع للمواطنين، وزيادة وعيهم‬ ‫ورغبتهم في التغيير. وينبغي أن تأخذ مرحلة اإلعداد في االعتبار السياسات القائمة لتشكيل اإلطار الشامل‬ ‫والمتكامل الذي يمكن توسيعه بسهولة إلى استراتيجيات محددة لكل قطاع.‬ ‫فببساطة، نسخ اآلخرين واالتباع األعمى للمؤشرات هو وصفة لإلخفاق. والتحدي الذي تواجهه عديد الدول‬ ‫هو التحلى بالثقة والثبات لتحديد السباق على أساس احتياجاتها االجتماعية واالقتصادية الخاصة بها، وذلك‬ ‫آخذة في االعتبار تحقيق التكامل اإلقليمي، وتحسين القدرة التنافسية. فيجب على كل بلد اختراع مستقبله بدال‬ ‫من أن يكون مجرد تقليد أو نسخة باهتة من نموذج "قياس واحد يناسب الجميع".‬ ‫ومن هذا المنطلق، فإني أعتبر بأنه من غير اآلمن إتباع سياسة قائمة في بلد آخر، حتى وإن كانت سياسة‬ ‫جيدة، ألنه ال يوجد مسار عالمي موحد لجميع البلدان، بل عوضا عن ذلك، بناء استراتيجية موحدة ومتكاملة‬ ‫ومتقاربة، تأخذ في االعتبار نقاط القوة ومواطن الضعف الخاصة بالبلد، وتسعى إلى استغالل التأثيرات‬ ‫الناجمة عن تعاون واندماج العديد من القطاعات بالعمل المشترك في انسجام لتحقيق النمو والرفاه لجميع‬ ‫المواطنين.‬ ‫وعلى الرغم من أنها ال تعتبر وجهة عالمية لجميع الدول، فتمثل كوريا الجنوبية أفضل وصف حاليا لذروة‬ ‫التفكير الشامل والمتكامل، ويمكن أن تشكل الهدف األسمى الذي ينبغي محاكاته (وليس نسخة) وتجاوزه.‬ ‫وكمثال على ذلك، إنشاء وزارة عليا القتصاد المعرفة لإلشراف على وضع االستراتيجيات الموحدة‬ ‫والتخطيط الشامل والمتقارب عبر كافة الميادين لبلوغ الهدف المشترك – االقتصاد القائم على المعرفة.‬ ‫كوريا الجنوبية تعرف شيئا، ونحن نجهله!‬ ‫ومن بين الدول، ذات الحجم االقتصادي الملحوظ، والتي وقعت مقارنتها – تتميز جمهورية كوريا بإلتزام‬ ‫قوي تجاه صياغة السياسات المتقاربة الذي َيعد بالتفوق. ومن البلدان األصغر حجما - فإن سنغافورة تتبع‬ ‫فلسفة مماثلة.‬ ‫انه كذلك، وفي حالة كوريا، يرجع األمر جزئيا إلى تسويق كوريا العلني واالعتراف بالدورة الحميدة لنهجها‬ ‫وقدرتها على بناء رؤية موحدة من نوع "شمولية-كوريا" (‪ ،)ubiquitous-Korea‬والتي تحتضن بنفس‬ ‫صفحة |5‬ ‫م. بوعنان‬
  • 6. ‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬ ‫القدر كال القطاعين العام والخاص. وتؤدي سنغافورة دورها على نغمة مشابهة. ورغم ذلك، فيجب على كال‬ ‫البلدين قطع بعض األشواط اإلضافية عندما يتعلق األمر بتحديد تفاصيل الهدف النهائي على درجات‬ ‫مختلفة.‬ ‫وتحتل المملكة المتحدة مرتبة متراجعة بطريقة ما خلف جمهورية كوريا في هذا الميدان. ففي حين أنها‬ ‫تدرك الحاجة الماسة إلى تقارب السياسات، فهي تفتقر إلى رؤية موحدة أو إلى دوافع وحوافز تجارية‬ ‫(اقتصادية) للقيام بذلك، ولكنها قد أحرزت تقدما ملحوظا في مساعيها لتحديد ما قد يبدو الهدف النهائي. كما‬ ‫قامت أيضا أستراليا، بتجارب جريئة في هذا الميدان.‬ ‫يعود التحول االستراتيجي لكوريا – ليصبح اقتصادها قائما على المعرفة ومرتبطا بالعولمة – إلى األزمة‬ ‫المالية اآلسيوية في سنة 1119. إذ تم إنشاء فريق عمل معرفي (التعاون بين ممثلي وسائل اإلعالم العالمية‬ ‫وشركات القطاع الخاص ‪ )KPT‬من قبل صحيفة مائيل لألعمال (‪ ،)Maeil Business Newspaper‬لتغطية‬ ‫قضايا اقتصاد المعرفة، بانتظام.‬ ‫ونتيجة ذلك، تم نشر تقرير رئيسي في عام 1119 "المعرفة من أجل العمل - تحويل كوريا إلى اقتصاد‬ ‫المعرفة"، والذي ساهم في إنشاء توافق عريض يقر بأن "نموذج التنمية الكوري القديم، الذي يرتكز بشكل‬ ‫كبير على النسخ والهندسة العكسية، قد عفا عليه الزمن، خاصة وأن المعرفة الضمنية أصبحت ذات أهمية‬ ‫اقتصادية متزايدة". فبدأت الحكومة تهتم بالموضوع وتلتزم، فأنشئت فريق عمل خاص متكون من 09‬ ‫مراكز أبحاث برئاسة المعهد الكوري للتنمية.‬ ‫أطلقت كوريا خطة عمل، في عام 0003، لمدة ثالث سنوات لتنفيذ استراتيجية االقتصاد القائم على المعرفة‬ ‫في خمسة مجاالت رئيسية هي: البيئة االقتصادية والمؤسستية، والتعليم والمهارات، والبنية التحتية‬ ‫للمعلومات، والعلوم والتكنولوجيا، والفجوة الرقمية. قادت هذه الخطة خمس مجموعات عمل، شاركت فيها‬ ‫19 وزارة و19 معهد بحوث.‬ ‫ويمكن تلخيص العبر العامة التي يمكن استخالصها من مسار كوريا نحو مجتمع المعلومات والمعرفة على‬ ‫النحو التالي:‬ ‫‪ ‬المبادرة الخاصة: لعبت صحيفة مائيل لألعمال دورا مهما في جذب انتباه كل من الحكومة والقطاع‬ ‫الخاص إلى فوائد اقتصاد المعرفة.‬ ‫‪ ‬الشراكة العامة-الخاصة: دعم قوي والتزام الحكومة باإلضافة إلى رغبة كبيرة من القطاع الخاص‬ ‫للمساهمة في وضع استراتيجية المنفعة المتبادلة ودون حوافز مالية ولكن مع االستفادة من عائدات‬ ‫األعمال التجارية.‬ ‫‪ ‬دور القطاع الخاص: تم تصميم هذه االستراتيجية من قبل الحكومة والمعهد الكوري للتنمية،‬ ‫وبمشاركة قطاع األعمال الذي كان المحرك لالقتصاد القائم على المعرفة. تمت مراقبة تنفيذ‬ ‫االستراتيجية من قبل المجلس الوطني االستشاري االقتصادي (في ذلك الوقت) والذي ضم ممثلين‬ ‫عن القطاع الخاص. لم يشارك المجتمع المدني واألفراد في تصميم أو تنفيذ االستراتيجية.‬ ‫‪ ‬االلتزام المالي: كانت نسبة نمو ميزانية الدولة 1.7 بالمائة عام 0003، في حين بلغت حوالي 29‬ ‫بالمائة تقريبا الزيادة في الميزانية المخصصة لمجتمع المعلومات والبحث والتطوير.‬ ‫وبعد هذا التحول الملحوظ نحو مجتمع المعلومات والمعرفة، تبادلت كوريا تجربتها القوية مع االقتصاديات‬ ‫النامية. كما يشارك الخبراء الكوريون في اقتصاد المعرفة في برامج البنك الدولي "المعرفة من أجل التنمية‬ ‫(‪ .")K4D‬وقد مولت كوريا في هذا الصدد بعض المشاريع في بلدان أخرى.‬ ‫صفحة |6‬ ‫م. بوعنان‬
  • 7. ‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬ ‫تضم االستراتيجية الموحدة الكورية (‪ )u-strategy‬مجموعة من االستراتيجيات اإللكترونية ذات األهداف‬ ‫المنسجمة. فمن خالل عملية التحسين المستمر، تتجه كوريا حتما نحو تحديد ذاتي لعوامل النجاح الحاسمة‬ ‫للمجتمع الموحد (‪ )u-society‬المقبل ككل. وكانت العملية نتاج تخطيط طويل المدى (عادة 09 سنوات أو‬ ‫أكثر)، وبعد النظر والتصورات الشاملة للمستقبل باإلضافة إلى ارتفاع مستويات التقارب في مجاالت‬ ‫التخطيط، ووجهات النظر والتوقعات التكنولوجية، والحوكمة وتقديم المنتوجات والخدمات ( ‪delivery of‬‬ ‫‪ .)products and services‬وأقرت كوريا بأن نجاح مثل هذه الرحلة يتطلب تعديل المسار التكتيكي‬ ‫باستمرار مع الحفاظ على هدف استراتيجي ثابت وغاية متينة للرؤية.‬ ‫تمثل االستراتيجية الموحدة والمتقاربة الكورية، لتطوير مجتمع المعلومات والمعرفة، االستراتيجية األكثر‬ ‫ثباتا ألي اقتصاد ذو حجم كبير، كما تتضح جليا عوامل النجاح الحاسمة بدرجات متفاوتة عبر مجموعتها‬ ‫الكاملة من االستراتيجيات اإللكترونية (لمزيد من الدقة: االستراتيجية الموحدة) .‬ ‫إلى حد كبير، تتحدث كوريا بصوت موحد، وترتكز رؤيتها الواسعة، القتصاد قائم على المعرفة، على‬ ‫َ‬ ‫مجتمع متآلف ومتجانس، والجدارة أساسه. وينعكس إدراك الحكومة ألهمية تشجيع اقتصاد المعرفة في‬ ‫اإلنشاء المبكر للجنة اإلعالمية تحت رئاسة الوزير األول، وترويجها المتزايد لرسائل مكررة - بل هو عمل‬ ‫جماعي في مجال التحول الوطني وتبني اقتصاد المعرفة. ومما ال شك فيه، فإن القبول بهذه الرؤية ينبني‬ ‫على النجاح السابق في تحويل كوريا إلى قوة صناعية عظمى.‬ ‫برهنت كوريا، كنموذج من االقتصاديات االسيوية وعلى الرغم من التغييرات المتكررة في اإلدارة، على‬ ‫قدرتها على الحفاظ على رؤية موحدة وطويلة المدى مع التركيز الدقيق أثناء تعديل منهجها الستيعاب‬ ‫أحدث األفكار والتطورات، وذلك من خالل تواصل راسخ ومتين بين القطاعين العام و الخاص. وهذا هو‬ ‫الحال في قبول كوريا الستراتيجيتها اإلنمائية في المحيط األزرق مما يدفعها بال هوادة لترسيخ وجودها في‬ ‫األسواق البكر، وتقديم أحد المقومات األساسية لعملية التحول - مثل الشعور بالحاجة الملحة والرغبة في‬ ‫الفوز، وخصوصا من جانب القطاع الخاص.‬ ‫باإلضافة إلى طموح الحكومة الكورية والقطاع الخاص للفوز في سوق المحيط األزرق الفريد من نوعه،‬ ‫فهناك لدى الشعب الكوري حاجة فطرية لالعتراف واالحترام والرغبة لريادة المنطقة والعالم. فكل وزارة‬ ‫مسؤولة في ميدانها على نجاح االستراتيجية الموحدة، على سبيل المثال، فقد أعربت وزارة التربية وتنمية‬ ‫الموارد البشرية على ضرورة الريادة العالمية في مجالها.‬ ‫ولتحقيق ذلك، شرعت كوريا في لعب دور رياديا - حيث يحل الخلق محل المضاهاة والتحسين (عن طريق‬ ‫الهندسة العكسية)، كتحوال رئيسيا في سياسة الماضي. ولتعزيز هذا اإلبداع، اعتبرت الحكومة الكورية أن‬ ‫التكنولوجيا ليست إال جزءا من المعادلة - فالمواهب المبدعة والتسامح المؤدي إلى استقطاب المواهب من‬ ‫الخارج، سيكون أساسيا لتلبية احتياجات كوريا في مجال االبتكار وروح المبادرة والموائمة مع األسواق‬ ‫الدولية.‬ ‫استنادا إلى مؤشر مركب لقياس مدى تطور اقتصاديات المعرفة (صمم خصيصا لهذا الغرض)، تتصدر‬ ‫سنغافورة الترتيب العالمي لسنة 0903، تليها السويد والدنمارك والواليات المتحدة وفنلندا. وتحتل هذه‬ ‫الدول وغيرها من البلدان األوروبية الشمالية والغربية (كندا واستراليا) أعلى الترتيب. ويبلغ عدد سكان 9‬ ‫دول من العشر األوائل ونصف الدول الـ03 في أعلى الترتيب، أقل من 09 ماليين نسمة. ورغم أن كوريا‬ ‫الجنوبية احتلت المرتبة 19 وفقا لمؤشر اقتصاد المعرفة، فمن الضروري أال ننسى أن كوريا قد نجحت في‬ ‫اجتياز مسافات طويلة وأصبحت االقتصاد الحادي عشر في العالم في مدة ال تتجاوز 07 سنة.‬ ‫حققت كوريا تقدما ملموسا نحو اقتصاد المعرفة منذ عام 1119، وتحتاج كعديد االقتصاديات إلى جهود‬ ‫إضافية من أجل سد الثغرات ومواجهة التحديات الجديدة. بالفعل، تحتاج كوريا إلى مزيد من التحسينات في‬ ‫صفحة |7‬ ‫م. بوعنان‬
  • 8. ‫الشروع في رحلة من خالل اقتصاد المعرفة العالمي‬ ‫مجاالت مثل فعالية الحكومة وسوق العمل، والمساواة بين الجنسين، والسوق المالية وتطور بيئة األعمال،‬ ‫وإلى حد ما االبتكار.‬ ‫وأظهرت الدراسة المقارنة أن عديد األمم، من جميع أنواع الهويات الثقافية والتوجهات السياسية، قد شرعت‬ ‫في رحلة إلى المستقبل وضمن العولمة – مستقبل يتعين تحديده بدرجة عالية من الدقة بالنسبة لكل بلد. فماذا‬ ‫وكيف ستكون نهاية الرحلة (إذا كان حقا هناك نهاية) للعالم العربي واالسالمي، أو كم سيتطلب المسار من‬ ‫تعديالت للوصول إلى مكانة مريحة ضمن األمم؟‬ ‫صفحة |8‬ ‫م. بوعنان‬